فصل: فصل في الاستدلال من المشاركات لأعضاء يشاركها الدماغ ويقرب منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في الدلائل المأخوذة من الموافقة والمخالفة:

وسرعة الانفعالات وبطئها أما العلامات المأخوذة من جنس الموافقة والمخالفة وسرعة الانفعال وبطئه فإنّ الموافقات والمخالفات لا تخلو إمّا أن تعتبر في حال لا ينكر صاحبها من صحّته التي يحسبه شيئاً أو في حال خروجه عن الصحة وتغير مزاجه عن الطبيعة فموافقه في حال صحّته التي يحسبه هو الشبيه لمزاجه فمزاجه.
يعرف من ذلك ومخالفه في تلك الحالة ضدّ مزاجه.
وأما في حال خروجه عن صحته وتغيّر مزاجه عنه فالحكم بالضدّ وقد قلنا فيما سلف من الأقاويل الكليّة أنّ الصحّة ليست في الأبدان كلها على مزاج واحد وأنه يمكن أن تكون صحة بدن عن مزاج يكون مثله مما يجلب مرضاً لبدن آخر لو كان له ذلك المزاج إلاّ أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضاً مقيساً بما يخالفه في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار الذي له من المزاج.
فإنّ الإفراطين معاً مخالفان مؤذيان لا محالة وإنما يوافق صحة ما من الخارج عن الاعتدال ما لم يفرط جداً والدماغ الذي به سوء مزاج حار ينتفع بالنسيم البارد والأطلية الباردة والروائح الباردة طيبة كانت كالكافوريّة أو الصندليّة والنيلوفريّة ونحوها أو منتنة كالحمئية والطحلبية.
وينتفع بالدعة والسكون والذي به سوء مزاج بارد ينتفع بما يضاد ذلك فينتفع بالهواء الحار والروائح الحارة الطيبة والمنتنة أيضاً المحلِّلة المسخّنة وبالرياضات والحركات والذي به سوء مزاج يابس يتأذّى بما يستفرغ منه وينتفض عنه.
والذي به سوء مزاج رطب ينتفع بما يستفرغ منه وينتفض عنه.
وأما الاستدلال من سرعة انفعالاته مثل أن يسخن سريعاً أو يبرد سريعاً فالذي يسخن سريعاً يدل على حرارة مزاج على الشريطة المذكورة في الكتاب الكلّي وكذلك الذي يبرد سريعاً وكذلك الذي يجفّ سريعاً فقد يكون ذلك لقلّة رطوبته أو لحرارة مزاجه ولكنّ الفرقان بينهما أنّ الأوّل يوجد معه سائر علامات يبوسة الدماغ مثل السهر وغيره مما نذكره في باب علامات مزاج الدماغ.
وهذا الثاني إما يعرض له اليبوسة في الأحايين عند حركة عنيفة أو حرارة شديدة أو ما يجري مجراه من أسباب اليبوسة ثم لا يكون له في سائر الأوقات دليل اليبوسة.
والذي لحرارة مزاجه فيكون معه سائر علامات الحرارة في المزاج.
والذي يرطب سريعاً فقد يكون لحرارة جوهره وقد يكون لبرد جوهره وقد يكون لأنّ مزاج جوهره الأصلي رطب وقد يكون لأنّ مزاج جوهره الأصلي يابس فإن كانت من حرارة كانت هناك علامات الحرارة ثم كان ذلك الترطيب ليس مما يكون دائماً ولكنه عقيب حرارة مفرطة وقعت في الدماغ فجذبت الرطوبات إليه فملأته ثم إن بقي المزاج الحار غالباً أعقبه اليبس النفض وإن غلبت الرطوبات عاد الدماغ فصار بارداً رطباً وإن استويا حدثت في أكثر الأمر العفونة والأمراض العفنة والأورام لأن هذه الرطوبة ليست بغريزيّة فتتصرف فيها الحرارة الغريزيّة تصرفاً طبيعيّاً بل إنما تتصرف فيها تصرفاً غريباً وهو العفونة.
وأما إن كان لبرد المزاج لم يكن حدوث الرطوبة دفعةً بل على الأيام ثم يصير الترطّب ويكون بسرعة وتكون علامات برودة مزاج الدماغ موجودة وإن كان ذلك لرطوبة الدماغ نفسه فتكون السرعة في ذلك لأحد شيئين: إمّا لأن الرطوبة بفعل البرد ويفسد البرد القوة الهاضمة المغيرة لما يصل إلى الدماغ من الغذاء فيظهر ترطب فماذا حدث ذلك البرد دفعةً كان الترطب بسرعة بعده دفعة.
وإذا حدث مع ذلك سدد في المجاري عرض أن تحبس الفضول ثم هذا يكون دائماً ولازماً ليس مما يكون نادراً وكائناً دفعةً دفعةً.
وأمّا الكائن ليبوسة الدماغ فسببه النشف الذي يقع دفعة إذا وقعت يبوسة ويكون مع علامات اليبوسة المتقدمة ويكون شبيهاً بما يقع من الحرارة إلا فيما يختلفان فيه من علامات الحرارة وعلامات اليبوسة.
فهذه الدلائل المأخوذة من سرعة الانفعال وليس يجب أن يعتبر سرعة الانفعال بحسب ضعف القوى الطبيعية لا سيّما في الترطب لأن ضعف القوى الطبيعية تابع لأحد هذه الأسباب وليس كل الموافقات والمخالفات مأخوذة من جهة الكيفيّات بل قد تؤخذ من جهة الهيئات والحركات كما يرى صاحب العلّة المعروفة بالبيضة يؤثر الاستلقاء على سائر أوضاع ضجعته.

.فصل في الاستدلال الكائن من جهة مقدار الرأس:

وأمّا التعرُّف الكائن بحسب صغر الرأس وكبره فيجب أن تعلم أنّ صغر الرأس سببه في الخلقة قلّة المادة كما أنّ سبب كبره كثرة المادة أعني المادة النطفيّة المتوزعة في التوزيع الطبيعي للرأس ثم إن كان قلة المادة مع قوة من القوة المصورة الأولى كان حسن الشكل وكان أقل رداءة من الذي يجمع إلى صغر الرأس رداءة الشكل في الخلقة التي تدلّ على ضعف القوّة على أنه لا يخلو من ردِاءة في هيئة الدماغ وضعف من قواه وضيق لمجال القوى السياسية والطبيعية فيه.
ولذلك ما بتّ أصحاب الفراسة القضية بأنّ هذا الإنسان يكون لجوجاً جباناً سريع الغضب متحيّراً في الأمور.
وقال جالينوس: إنّ صغر الرأس لا يخلو البتة عن دلالة على رداءة هيئة الدماغ وإن كان كبر الرأس ليس دائم الدلالة على جودة حال الدماغ ما لم يقترن إليه جودة الشكل وغظ العنق وسعة الصدر فإنها تابعة لعظم الصلب والأضلاع التابعين لعظم النخاع وقوته التابعين لقوّة الدماغ فإنّ كثرة المادة إذا قارنها قوة من القوّة المصورة كان الرأس على هذه الهيئة.
ومما يؤكد ذلك أن يكون هناك مناسبة لسائر الأعضاء فإن قارنه ضعف منها كان رديء الشكل ضعيف الرقبة صغير الصلب أو مؤفّ ما يحيط به.
وينبت عنه على أنّه قد يعرض من زيادة الرأس في العظم ما ليس بطبيعي مثل الصبيان يعرض لهم انتفاخ الرأس وتعظمه ما ليس في الطبع بل على سبيل المرض ويكون السبب فيه كثرة مادة تغلي وكذلك يعرض أيضاً للكبار في أوجاع الرأس الصعبة وقد يعرض أن يصغر اليافوخ ويلطأ الصدغ عند استعلاء الحمرة على الدماغ فقد عرفت إذاً دلائل صغر الرأس وكبره.
ومن علامات جودة الدماغ أن لا ينفعل من أبخرة الشراب وما سنصفه معها وينفعل من تلطيفه وحرارته فيزداد ذهنه.

.فصل في الاستدلال من شكل الرأس:

أمّا دلائل شكله فقد عرفناك في باب عظم القحف أن الشكل الطبيعي للرأس ما هو والرديء منه ما هو وأن الرداءة للشكل إذا وقعت في جزء من أجزاء الرأس أضرت لا محالة بخواص أفعال ذلك الجزء من الدماغ كالذي قد قال جالينوس: إن المسفط والمربّع مذموم دائماً والناتئ الطرفين مذموم إلاّ أن يكون السبب فيه قوّة من القوة المصورة أي تكون أفرطت في فعلها ويدلّ على قوة هذه القوة شكل العنق ومقداره والصدر.

.فصل في الاستدلال ممّا يحسه الدماغ:

بلمسه من ثقل الرأس وخفته وحرارته وبرودته وأوجاعه.
وأما الدلائل المأخوذة من ثقل الرأس وخفته فإن ثقل الرأس دائماً يدلّ على مادة فيه لكن المادة الصفراوية تفعل ثقلاً أقل وإحراقاً أشد.
والسوداوية ثقلاً أكثر من ذلك ووسوسة أكثر.
والدموية ثقلاً أشد منهما وضرباناً ووجعاً في أصول العين لنفوذ الكيموس الحار وحمرة وانتفاخاً في العروق أشدَ.
والبلغم ثقلاً أكثر من الجميع ووجعاً أقل من الدموي والصفراوي ونوماً أكثر من وأما الدلائل المأخوذة من الحرارة والبرودة أعني ما يلمسه الرأس منهما في نفسه وما يلمسه غيره من خارج فلا يخفى عليك: أما الحار فدليل على حرارة إن دام فمزاجيّة وإن حدث وآذى فعرضية.
وكذلك حكم البارد على قياسه وكذلك حكم القشف اليابس وعلى قياسه إن لم يكن برد من خارج مخشّن مقشف وكذلك الرطب إنْ لم يكن حرّ من داخل معرق والأوجاع الأكالة التي تخيل أن في رأس الإنسان دبيباً يأكل واللذّاعة فإنها تدلّ على مادة حارة والضربانية على ورم حار.
ويؤكد دلالتها لزوم الحمّى والثقيلة الضاغطة على مادة ثقيلة باردة والممددة على مادة ريحيّة.
والانتقال يؤكد ذلك.
والوجع الذي كأنه يطرق بمطرقة يدل على مثل البيضة والشقيقة المزمنة والوجع أيضاً يدل بجهته مثل أن الوجع الذي بمشاركة المعدة يكون على وجه والذي بمشاركة الكبد على هيئة أخرى كما سنذكره وقد يدل مع ذلك بدوامه فإنّ الوجع إذا دام في مقدم الرأس ومؤخّره أنذر بالعلّة المعروفة بقرانيطس.

.فصل في الاستدلالات المأخوذة من أحوال أعضاء:

هي كالفروع للدماغ مثل العين واللسان والوجه ومجاري اللهاة واللوزتين والرقبة والأعصاب.
أما الاستدلال من العين من جملتها فمن حال عروقها ومن حال ثقلها وخفتها من حال لونها في صفرته أو كمودته أو رصاصيته أو حمرته وحال ملمسها وجميع ذلك يقارب جداً في الدلالة لما يكون في الدماغ نفسه.
وقد يستدل بما يسيل منها من الدمع وْالرمص وما يعرض لها من التغميض والتحديق وأحوال الطرف ومن الغور والجحوظ والعظم والصغر والآلام والأوجاع فإن جفاف العين قد يدلّ على يبس الدماغ وسيلان الرمص والدموع إذا لم يكن لعلة في العين نفسها يدلّ على رطوبة مقدم الدماغ وعظم عروق العين يدل على سخونة الدماغ في الجوهر وسيلان الدمع لغير سبب ظاهر يحلّ في الأمراض الحارة على اشتعال الدماغ وأورامها وخصوصاً إذا سالت من إحدى العينين وإذا أخذ يغشي الحدقة رمص كنسج العنكبوت ثم يجتمع فهو قريب وقت الموت.
والعين التي تبقى مفتوحة لا تطرف كما قد يكون في قرانيطس وأحياناً في ليثرغس ويكون أيضاً في فرانيطس عند انحلال القوّة يدل على آفة عظيمة في الدماغ والكثيرة الطرف تدل على اشتعال وحرارة وجنون.
واللازمة ينظرها موضعاً واحداً وهي المبرسمة تدل على وسواس ومالنخوليا وقد يستدل من حركاتها على أوهام الدماغ من اعتقادات الغضب والغم والخوف والعشق والجحوظ يدل على الأورام أو امتلاء أوعية الدماغ والصغر والغور يدل على التحلل الكثير مِن جوهر الدماغ كما يعرض في السهر والقطرب والعشق.
وإن اختلفت هيئاتها في ذلك كما سنفصله في موضعه وكذلك قد يدل على حمرة الدماغ وقوبا فيه.
وأما المأخوذة من حال اللسان فمثل أن اللسان كثيراً ما يدل بلونه على حال الدماغ كما يدلّ ببياضة على ليثرغس وبصفرته أولاً واسوداده ثانياً على فرانيطس وكما يدلّ بغلبة الصفرة عليه واخضرار العروق التي تحته على مصروعية صاحبه وليس الاستدلال بلون اللسان كالاستدلال بلون العين فإنّ ذلك شديد الاختصاص بالدمغ وأما لون اللسان فقد يستدل به على أحوال المعدة لكنه إذا علم أن في الدماغ آفة لم يبعد الاستدلال به.
وأما المأخوذ من الوجه فإما من لونه فأنت تعلم دلالة الألوان على الأمزاجة وإما من سمنه وهزاله فإن سمنه وحمرته يدل على غلبة الدم وهزاله مع الصفرة يدلّ على غلبة الصفراء وهزاله مع الكمودة يدل على غلبة اليبس السوداويّ والتهيّج يدلّ على غلبة الدم والمائية بعد أن تكون هذه أحوالاً عارضة ليست أصليّة وبعد أن يعلم أن لا علّة في البدن تغير السحنة إلا في جانب من الدماغ وأما المأخوذة من حال الرقبة فإنها إن كانت قويه غليظة دلت على قوة من قوى الدماغ ووفوره وإن كانت قصيرة دقيقة فبالضد وإن كانت مهيأة لقبول خنازير وأورام فالسبب في ذلك ليس ضعفاً فيها ولا إذا خلت عن ذلك فالسبب فيه قوّة لها بل السبب في ذلك ضعف القوة الهاضمة التي في الدماغ لشيء من أنواع المزاج الذي نذكره وقوّة من القوة الدافعة فإنّ نواحي العنق قابلة لما يدفعه الدماغ باللحم الرخو الغددي الذي فيها.
وكذلك حال الدلائل المأخوذة من حال اللهاة واللوزتين والأسنان أيضاً وأمّا المأخوذة من حال الأعضاء العصبانية الباطنة فذلك من طريق أحكام المشاركة فإنها من الواجب أن تشارك الدماغ والنخاع كما إذا دامت الآفات عليها جلبت إلى الدماغ النوع من المرض الذي بها أو ربما أحدث بها ذلك من الدماغ فالأعصاب إذاً قويت وغلظت وقويت مسالكها التي تتحقق عليها دلت على قوّة الدماغ ودل ضد ذلك على ضدها.

.فصل في الاستدلال من المشاركات لأعضاء يشاركها الدماغ ويقرب منها:

إذا كانت الأعضاء المشاركة للدماغ قوية فالدماغ قوي وإن كانت كثيرة الآفات لا لأسباب ظاهرة تصل إليها فإن الدماغ ضعيف أو مؤف وربما كانت تلك الآفات في الأعضاء الأخرى بمشاركة آفة الدماغ مثل ما يتّفق أن لا ينهض المريض لبول أو براز محتاج إليه لعدم الحس كما يتفق في ليثرغس وقد السبات السهري ونحوه أو أثقل الحركة عليه كما فيهما.
وفي فرانيطس ومثل العجز عن الازدراد والغصص والشرق في هذه الأمراض ومثل دلائل النفس فإن النفس قد ينقطع ويبطل بسبب آفة في الدماغ متعدية إلى الحجاب وأعضاء النفس وكما أن كبر النفسِ وعظمه أدلّ على صبار أو ضيقه وصغره على السباب السهري والليثرغس وقد يستدل من طريق المشاركات في الأوجاع أيضاً على أحوال الدماغ وعلى النحو المذكور وقد يستدل من كيفية المشاركة مثل إنه إن بلغ الوجع أصول العينين في الصداع دلّ على أن السبب خارج القحف وقد يستدل أيضاً من امتلاء العروق وخلائها ومن لون الجلدة وغير ذلك مما سلف بعضه في خلل أبواب أخرى.